الخميس، 16 ديسمبر 2010

ملخص احكام العيد وادابه


أولاًأحكام العيدين:
1- النهي عن صومهما:
فيحرم صوميومي العيدين لحديث أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صياميومين: يوم الفطر، ويوم النحر . متفق عليه، أخرجه البخاري في: كتاب الصوم، باب: صوم يوم الفطر، وفي كتاب الأضاحي: باب ما يؤكل من لحوم الأضاحي (الفتح 3/280، 10/26)، وأخرجه مسلم في: كتاب الصيام، باب: النهي عن صوم يوم الفطرويوم الأضحى (2/799).
قال النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم: "وقدأجمع العلماء على تحريم صوم هذين اليومين بكل حال؛ سواء صامهما عن نذر أو تطوع أوكفارة أو غير ذلك، ولو نذر صومهما متعمداً لعينهما، قال الشافعي والجمهور: لا ينعقدنذره ولا يلزمه قضاؤهما.انظر صحيح مسلم بشرح النووي (8/15).
وقيل: إن الحكمة في النهي عن صوم العيدين أن فيه إعراضاً عن ضيافة اللهتعالى لعباده.انظر: نيل الأوطار (4/262).

2- صلاة العيد وما يتعلق بها من أحكام وآداب:
حكمها:
سنة مؤكدة عند الجمهور، واظب عليها النبي صلى الله عليهوسلم، وأمر الرجال والنساء أن يخرجوا لها حتى الحيّض منهن؛ لقول أم عطية رضي اللهعنها:(أمرنا رسول الله صلى اللهعليه وسلم أن نخرجهن في الفطر والأضحى: العواتق والحيّض، وذوات الخدور؛ فأما الحيضفيعتزلن الصلاة، ويشهدن الخير، ودعوةالمسلمين).متفق عليه، أخرجه البخاري في صحيحه فيأكثر من موضع، في الحيض باب: شهود الحائض العيدين (الفتح 1/504)، وفي العيدين بابخروج النساء والحيض إلى المصلى (2/537)، وفي غيرهما، وأخرجه مسلم في العيدين باب: ذكر إباحة خروج النساء في العيدين إلى المصلى وشهود الخطبة مفارقات للرجال (صحيحمسلم 2/605)، والعواتق: جمع عاتق، وهي الأنثى أول بلوغها ولم تتزوج بعد، والخدور: البيوت، وقيل ستر يكون في ناحية.

وذهب بعض أهل إلى: القول بوجوبها،وهو مذهب أبي حنيفة ورواية عن أحمد واختاره ابن تيمية وابن القيم؛ بل ذهب ابن تيميةإلى كونها آكد من الجمعة، لحديث أم عطية السابق، وفيه الأمر بإخراج العواتق وذواتالخدور والحيض، ولم يأمر بذلك في الجمعة، وهو محمول على الوجوب إلا لقرينة ولاقرينة هنا.
وأجاب ابن حجر على ذلك بقوله: وفيه نظر؛ لأن من جملة من أمر بذلك منليس بمكلف؛ فظهر أن القصد منه إظهار شعار الإسلام بالمبالغة في الاجتماع، ولتعمالجميع البركة.فتح الباري (2/545).
كما استدلالقائلون بالوجوب بكونها مسقطة للجمعة الواجبة إذا اجتمعتا في يوم واحد، وما ليسبواجب لاسقط واجباً.
المكان الذي تصلىفيه(انظر أيضاً في بحث لهذه المسألة المغني (3/260) والمجموع (5/524)):
أ- فيمكة المكرمة:
الأفضل الصلاة في المسجد الحرام؛ فإن الأئمة لميزالوا يصلون العيد بمكة بالمسجد الحرام، قال النووي في المجموع: "... فإن كان بمكةفالمسجد الحرام أفضل بلا خلاف(انظر المجموع شرح المهذب (5/524)).أي من الخروج إلى المصلى.
ب- في غيرمكة:
السنة أن يصلى العيد في المصلى خارج البلد إلا لعذر من مطر أوغيره، هكذا جرى عمل المسلمين في سائر الأمصار والعصور وأما حديث أبي هريرة عند أبيداود وغيره: (أن الناس أصابهم مطر في يوم عيد فصلى بهم النبيصلى الله عليه وسلم العيد في المسجد)(وضعفه الألباني فيضعيف سنن أبي داود ح (248))، ففي إٍسناده مجهول.
وحكى عن الشافعي: إنكان مسجد البلد واسعاً، فالصلاة فيه أولى لشرف البقعة.
وسنة رسول الله صلى اللهعليه وسلم أحق أن تتبع، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلى في المصلى مع شرف مسجدهعليه الصلاة والسلام.
وجعل العلة الضيق والسعة مجرد تخمين لا ينتهض للاعتذار عنالتأسي به صلى الله عليه وسلم في الخروج إلى المصلى.
ج- ويستحب للإمام أن يخلفمن يصلى بضعفة الناس - الذين يعجزون من الخروج إلى المصلى - في المسجد، كما فعل عليبن أبي طالب رضي الله عنه.
حكم خروج الصبيان والنساء:
يشرع خروج النساء في العيدين من غير فرق بين البكر والثيبوالشابة والعجوز والحائض وغيرها، ما لم تكن معتدة، أو كان في خروجها فتنة، أو كانلها عذر؛ لحديث أم عطية (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلمأن نخرجهن في الفطر والأضحى: العواتق والحيض، وذوات الخدور؛ فأما الحيض فيعتزلنالصلاة، ويشهدن الخير ودعوة المسلمين. قلت: يا رسول الله، إحدانا لا يكون لهاجلباب؟ قال: ((لتلبسها أختها من جلبابها)) (سبق تخريجه (ص7). والجلباب هو ثوب أقصر وأعرض من الخمار تغطى به المرأة رأسها، وقيل هو ثوبواسع دون الرداء تغطى به صدرها وظهرها، وقيل: هو كالملائه والملحفة، وقيل: هوالإزار الذي يجلل جميع البدن وليس الحقو فقط، وقيل: الخمار. (انظر لسان العرب لابنمنظرو 1/650)، والنهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير (1/283))وقوله: ((لتلبسها أختها من جلبابها))؟ قال النووي: "الصحيح أن معناهلتلبسها جلباباً لا تحتاج إليه".
والقول بكراهة الخروج على الإطلاق ردللأحاديث الصحيحة بالآراء الفاسدة وتخصيص الشابة يأباه صريح الحديث المتفق عليهوغيره، كما قال الشوكاني في النيل(نيل الأوطار (3/288)).
وإنما يستحب لهن الخروج إذا التزمن بآدابه؛ فيخرجن غيرمتطيبات، ولا يلبسن ثوب شهرة ولا زينة لقوله صلى الله عليه وسلم: ((وليخرجن تفلات)) (أخرجه أبو داودوغيره، وهو في صحيح سنن أبي داود للألباني ح (529))، أي غير متطيبات، ولايخالطن الرجال بل يكن ناحية منهم. قال ابن حجر: "وفيه امتناعخروج المرأة بغير جلباب" (فتح الباري (1/505)).
فإذاكانت المرأة حائضاً اعتزلت المصلى، قال النووي: "والجمهور أن هذا المنع هو منعتنزيه لا تحريم، وسببه الصيانة والاحتراز من مقارنة النساء للرجال من غير حاجة ولاصلاة" (صحيح مسلم بشرح النووي (3/179)).
وقال ابن المنير: الحكمة في اعتزالهن أن في وقوفهن وهن لا يصلين مع المصليات إظهار استهانة بالحال. فاستحب لهن اجتناب ذلك(فتح الباري (1/505)).ولا بأسعليهن – أي الحيّض – إذا ذكرن الله تعالى، وكبرن، لقول أم عطية عند مسلم: (فليكنخلف الناس يكبرنّ مع الناس) وإنما يحرم عليها قراءة القرآن، قالهالنووي(صحيح مسلم بشرح النووي (6/179)).
وأما خروج الصبيان إلىالمصلى؛ فقد بوب البخاري رحمه الله له في الصحيح بقوله: (بابخروج الصبيان إلى المصلى)؛ قال ابن حجر: أي في الأعياد، وإن لم يصلوا. وأخرجالبخاري عن ابن عباس لما سُئل: أشهدت العيد مع النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم،ولولا مكاني من الصفر ما شهدته.
قال ابن بطال: خروج الصبيان للمصلى إنما هو إذاكان الصبي ممن يضبط نفسه عن اللعب، ويعقل الصلاة – ويتحفظ مما يفسدها – ألا ترى ضبطابن عباس للقصة؟ اهـ.
قال ابن حجر: وفيه نظر؛ لأن مشروعية إخراج الصبيان إلىالمصلى إنما هو للتبرك، وإظهار شعار الإسلام بكثرة من يحضر منهم، ولذلك شرع للحيض ... فهو شامل لمن تقع منهم الصلاة أولا – وعلى هذا إنما يُحتاج أن يكون مع الصبيانمن يضبطهم عما ذكر من اللعب ونحو سواء صلوا أم لا. وأما ضبط ابن عباس القصة فلعلهلفرط ذكائه والله أعلم(فتح الباري (2/540)).
وقتالخروج إلى الصلاة:
يستحب التبكير إلى العيد بعد صلاة الصبحإلا الإمام؛ فإنه يتأخر إلى وقت الصلاة لفعله صلى الله عليه وسلم ذلك، فإذا جاء إلىالمصلى وقعد في مكان مستتر عن الناس فلا بأس، قاله صاحب المغنى.
وقال مالك: مضتالسنة أن يخرج الإمام من منزله قدر ما يبلغ مصلاه، وقد حلّت الصلاة، فأما غيرهفيستحب له التبكير، والدنو من الإمام.
الاغتسال للعيدين ووقته والتزين لهما:
يستحب أن يغتسل للعيد، وكان ابن عمر يغتسل يوم الفطر، ولم يثبت فيه حديث مرفوعينتهض للاحتجاج به، وأحسن ما يستدل به على استحباب الغسل لهما ما رواه البيهقي بسندصحيح عن علي رضي الله عنه لما سئل عن الغسل قال: يوم الجمعة، ويوم عرفة، يوم النحر،ويوم الفطر(إرواء الغليل (1/176)).
ولأنه يوم يجتمعالناس فيه للصلاة فاستحب الغسل فيه كيوم الجمعة. وإن اقتصر على الوضوء أجزأه.
كما يسن التنظف بحلق الشعر وتقليم الظفر – إلا في الأضحى لمن أراد أن يضحيفالسنة الإمساك حتى يذبح أضحيته(لحديث أم سلمة عند مسلم وغيره مرفوعاً. (إذا رأيتم هلال ذي الحجة، وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعرهوأظفاره)، وفي رواية: (فلا يأخذ من شعره ولا من أظفارهحتى يضحى)،ولا بأس بغسل الرأس ودلكه ولو سقط منه شيء من الشعر) –، والتسوكلأنه يوم عيد واجتماع فأشبه الجمعة.
وأما التطيب للرجال فلما سبق من وجود معنىالجمعة فيه. وأما المرفوع فلم يثبت منه شيء ينتهض للاحتجاج به(أثر الحسن بن علي رضي الله عنه: (أمرنا رسول الله صلى الله عليهوسلم أن نتطيب بأجود ما نجده في العيد)(رواه الطبرانيفي الكبير، والحاكم في مستدركه، وفي إسناده إسحاق بن بزرج مجهول كما ذكر الحافظ فيالتلخيص).وصح عن ابن عمر أنه كان يتطيب يوم الفطر(أحكام العيدين للفريابي (ص83)).
وقال مالك: سمعت أهل العلم يستحبون الطيب والزينة في كل عيد.
كما يستحب أن يلبس أحسن ما يجد من الثياب لما ثبت عن ابن عباس أنه صلى اللهعليه وسلم كان يلبس يوم العيد بردة حمراء؛ ولقول عمر رضي الله عنه: يا رسول الله،ابتع هذه تتجمل بهما في يوم العيدين والوفد(متفق عليه، أخرجهالبخاري في كتاب العيدين باب: في العيد والتجمل فيه، وفي الجهاد باب: التجملللوفود، وفي غيرهما( فتح الباري 2/509، 6/198)،وأخرجه مسلم في كتاب اللباب، باب: تحريم استعمال إناء الذهب .. الخ،(صحيح مسلم 3/1639)). فدل على أن التجمل عندهم في هذه المواضعكان مشهوراً(المغنى (3/257)).
وأما المعتكف فقد قال صاحبالمغني: "إنه يستحب له الخروج في ثياب اعتكافه ليبقى عليه أثرالعبادة والنسك".وقد رد الشيخ ابن عثيمين لهذا القول، وقال: "إنه خلاف السنة، وأن السنة في العيد أن يتجمل سواء كان معتكفاً أمغير معتكف" (أسئلة وأجوبة في صلاة العيدين، لابنعثيمين (ص10)).

وقت الاغتسال: قولان:
الأول:بعد طلوع الفجر لأنه غسلالصلاة في اليوم فلم يجز قبل الفجر كغسل الجمعة: فإن اغتسل قبل الفجر لم يصب سنة،وهذا ظاهر كلام الخرقي كما ذكر صاحب المغني، ورواية في مذهب الشافعي.
الثاني:جواز الغسل قبل الفجر وبعده، وهو الصحيح من مذهبالشافعية، والمنصوص عليه عند أحمد؛ لأن زمن العيد أضيق من وقت الجمعة، فلو وُقِفعلى الفجر ربما فات،؛ولأن المقصود منه التنظف، وذلك يحصل بالغسل في الليل لقربه منالصلاة، والأفضل أن يكون بعد الفجر ليخرج من الخلاف، وليكون أبلغ في النظافة لقربهمن الصلاة، ولهذا اختيار صاحبه المغني(انظر في المسألة (المغني 3/258)، وفتح العزيز شرح الوجيز للرافعي بحاشية المجموع (5/21)).
الأكل قبلالخروج للصلاة في الفطر دون الأضحى:
يسن أكل تمرات وتراً قبل الخروج إلىالصلاة في عيد الفطر لما رواه البخاري عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لايغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات ويأكلهن وتراً.
فإن لم يجد تمراً أفطر ولو علىماء، قاله ابن حجر في الفتح(فتح الباري (2/519)).
أما فيعيد الأضحى فالسنة ألا يأكل حتى يرجع من المصلى فيأكل من أضحيته إن كان له أضحية،وذلك لما رواه الترمذي وابن ماجه وأحمد من حديث بريدة(أنالنبي صلى الله عليه وسلم كان لا يأكل يوم الأضحى حتى يرجع)(إسناده صحيح (المشكاة ح1440)). زاد أحمد: (فيأكل من أضحيته).

أيهما أفضل المشي أم الركوب؟

والسنة أن يأتي العيد ماشياً وعليه السكينة والوقار لما أخرجهالترمذي وحسنه من حديث علي رضي الله عنه: (إن من السنة أن تأتيالعيد ماشياً)،والحديث مع ضعفه فإن له شواهد كثيرة يدل مجموعها على أن لهأصلاً؛ منها حديث ابن عمر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى العيدماشياً، ويرجع ماشياً(صحيح سنن ابن ماجه ح(1071)).
فإن كان له عذر، أو كان مكانه بعيداً فركب فلا بأس.
قال أحمد رحمه الله: نحن نمشي ومكاننا قريب، وإن بَعُد ذلك عليه فلا بأس إن يركب، ذكره صاحب المغني.
وقال البخاري: باب المشي والركوب إلى العيد ... ولم يذكر من الأحاديث ما يدلعلى مشي ولا ركوب. قال ابن حجر في توجيه ترجمة الباب: يحتمل أن يكون البخاري استنبطمن قوله في حديث جابر: (وهو يتوكأ على بلال) حديث جابر هو (أن النبي صلى الله عليهوسلم قام فبدأ بالصلاة ثم خطب الناس بعد، فلما فرغ نزل فأتى النساء فذكرهن وهويتوكأ على يد بلال)(الفتح (2/523))،مشروعيةالركوب لمن احتاج إليه، وكأنه يقول: الأولى المشي حتى يحتاج إلى الركوب ... والجامعبين الركوب والتوكؤ الارتفاق بكل منهما. اهـ.
وقال النووي في المجموع: ولا بأسأن يركب في الرجوع لما ذكره المصنف.... (المصنف هو الشيرازيوقوله المشار إليه هو (ولا بأس أن يركب في العود لأنه غير قاصد إلى قربه). المجموع (5/10))قال: وصورته إذا لم يتضرر الناس بركوبه، فإن تضرروا به لزحمة وغيرهاكره لما فيه من الإضرار. اهـ.
التكبيرفي الطريق إلى المصلى: ومن السنة التكبير في الطريق إلىالمصلى ورفع الصوت بالتكبير للرجال، لما أخرجه البيهقي بسند حسن عن ابن عمر(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخرج في العيدين مع الفضل ابنعباس وعبد الله والعباس وعلي وجعفر والحسن والحسين، وأسامة بن زيد وزيد بن حارثةوأيمن ابن أم أيمن رضي الله عنهم رافعاً صوته بالتهليلوالتكبير) (الإرواء (3/123)).
وأخرجالدارقطني والفريابي أن ابن عمر كان إذا غدا يوم الفطر ويوم الأضحى يجهر بالتكبيرحتى يأتي المصلى، ثم يكبر حتى يأتي الإمام(الإرواء ح(650)).
ويتأكد التكبير في الفطر عنه في الأضحى لقول الله تعالى: {وَلِتُكْمِلُواْ ?لْعِدَّةَ وَلِتُكَبّرُواْ ?للَّهَ عَلَى? مَاهَدَاكُمْ}[البقرة:185].ولما أخرجه الفريانيبسند صحيح عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: (كانوا في الفطر أشدمنهم في الأضحى).قال وكيع: يعني في التكبير(الإرواء (3/122)).
هل يكبر حتىيأتي المصلى أو حتى يخرج الإمام؟
روايتان عن أحمد ذكرهما صاحب المغني،وسبق أن ابن عمر كان يكبر حتى يأتي الإمام.
صيغة التكبير: ثبت عن ابن مسعود عن ابن أبي شيبة أنهكان يقول: (الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبرالله أكبر ولله الحمد)،بتشفيع التكبير، وفي رواية أخرى له أيضاً بتثليثالتكبير وهي صحيحه(تمام المنة (ص356)).
وقال ابن حجر في الفتح: أصح ما وردفيه ما أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن سلمان قال: (كبروا الله،الله أكبر، الله، الله أكبر كبيراً)(فتح الباري (2/536)).
حكم التكبيرالجماعي: سُئل الشيخان ابن باز وابن عثيمين رحمهما الله عنحكم التكبير الجماعي – أي اجتماع الناس على التكبير في نفس واحد بنغمة واحدةفأجابا: أن ذلك الاجتماع غير مشروع، وأنه خلاف السنة والثابتة من فعل السلف رضوانالله عليهم. اهـ.
وقد استدل البعض بما أخرجه البخاري تعليقاً بصيغة الجزم أنابن عمر رضي الله عنه كان يكبر في قبته بمنى فيسمعه أهل المسجد فيكبرون ويكبر أهلالسوق حتى ترتج منى تكبيراً، وكذا قوله: ... وكنَّ النساء يكبرن خلف أبان بن عثمانوعمر بن عبد العزيز ليالي التشريق مع الرجال في المسجد(فتحالباري (2/534))،على مشروعية التكبير على الصورة المذكورة، وهو لا يدلصراحة على ذلك لاحتمال أن يكون المراد ابتداء الذكر لا المداومة على ذلك، فالمسألةاجتهادية وهي محل نظر بين أهل العلم، والله أعلم بالصواب.
لكن ينبغي أن لا يتخذذلك سبيلاً للتنازع والتشاحن وذم أحد الفريقين الآخر فهذا لا يجوز بالاتفاق.
التطوع قبل صلاة العيدوبعدها:
لم يثبت لصلاة العيدين سنة قبلها ولا بعدها،ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه يصلون إذا انتهوا إلى المصلى شيئاًقبل الصلاة ولا بعدها، فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلمخرج يوم العيد فصلى ركعتين، لم يصل قبلهما ولا بعدهما(متفق عليه، أخرجه البخاريفي كتاب العيدين باب الخطبة بعد العيد، وباب الصلاة قبل العيد وبعدها وفي غيرهما (الفتح (2/526، 552)، وأخرجه مسلم في كتاب العيدين باب ترك الصلاة قبل العيد وبعدهافي المصلي (صحيح مسلم 2/606)).
قال ابن العربي: التنفل في المصلى لوفُعل لنقل، ومن أجازه رأى أنه وقت مطلق للصلاة، ومن تركه رأى النبي صلى الله عليهوسلم لم يفعله ومن اقتدى فقد اهتدى(فتح الباري (2/552)).
قال ابنحجر: وأما مطلق النفل فلم يثبت فيه منع بدليل خاص إلا إن كان ذلك في وقت الكراهةالذي في جميع الأيام والله أعلم(المصدر السابق (2/552)).
وفرقبعضهم بين المأموم والإمام، فكرهه للإمام وأباحه للمأموم.
وذهب آخرون إلىالتفريق بين قبل الصلاة وبعدها على قولين ذكرهما ابن المنذر عن أحمد:
الأول:جواز الصلاة بعدها، وهو قول الأوزاعي والنووي والحنفيةوبه يقول الكوفيون.
الثاني:جواز الصلاة قبلها لابعدها، وهو قول الحسن البصري وجماعة، وهو مذهب البصريين.
ولعله للجمع بين هذه الأقوال أن يقال:
إن السنة تركالصلاة قبلها وبعدها في المصلى، فإذا صلى بعدها في البيت، سواء كان إماماً أومأموماً جاز. والله أعلم. ويؤيده ما أخرجه ابن ماجه وأحمد والحاكم بإسناد حسن.
عن أبي سعيد الخدري قال: (كان رسول الله صلى الله عليهوسلم لا يصلي قبل العيد شيئاً، فإذا رجع إلى منزله صلى ركعتين)(الإرواء (3/100)).
وذهب بعض أهل العلم – كالشيخ ابنعثيمين – إلى أن مصلى العيد مسجد، فإذا دخله الإنسان فلا يجلس حتى يصلي ركعتين،واستدل بمنع الرسول صلى الله عليه وسلم الحيض أن يمكثن فيه، وأمرهن باعتزاله(أسئلة وأجوبة في صلاة العيدين (ص12)).
وقد سبق ذكر كلامأهل العلم عن حكمة أمر الحيض باعتزال المصلى.
أما إن صلى الناس العيد في المسجدفالأصل صلاة ركعتي تحية المسجد.
وقتصلاة العيد: يبدأ وقتها إذا ارتفعت الشمس قيد رمح(حوالي ثلاثة أمتار)،ويمتد إلى الزوال، ولم يصح في تحديدهاحديث مرفوع ينتهض للاحتجاج به، وأما حديث الأسود بن قيس عن جندب أن النبي صلى اللهعليه وسلم صلى بهم يوم الفطر والشمس على قيد رمحين، والأضحى على قيد رمح، ففيإسناده المعلى بن هلال، اتفقوا على تكذيبه.
وقال أصحاب الشافعي: أول وقتها إذاطلعت الشمس لحديث يزيد بن خُمير قال: خرج عبد الله بن بسر، صاحب رسول الله صلى اللهعليه وسلم في يوم عيد فطر أو أضحى، فأنكر إبطاء الإمام، وقال: إنْ كنا قد فرغناساعتنا هذه، وذلك حين التسبيح(رواه البخاري تعليقاً بصيغة الجزم. (الفتح 2/568)، وقوله: حين التسبيح: أي وقت صلاة السبحة وهي النافلة).
وليس في ذلك دليل لما ذهبوا إليه؛ لأن معناه إذا مضى وقت الكراهة، ويكونإنكاره إبطاء الإمام عن وقتها المجمع عليه. ويرده أيضاً عموم نهيه صلى الله عليهوسلم عن الصلاة عند بلوغ الشمس حتى ترتفع وعليه جرى عمل المسلمين في جميع العصوروالأمصار.
ويُسن تقدم الأضحى ليتسع وقت الأضحية، وتأخير الفطر ليتسع وقت إخراجالصدقة.
حكم الأذانوالإقامة لها وقول الصلاة جامعة:
قال ابن القيم في الزاد: "كانصلى الله عليه وسلم إذا انتهى إلى المصلى أخذ في الصلاة من غير أذان ولا إقامة ولاقول الصلاة جامعة، والسنة أن لا يُفعل شيء من ذلك".
وأخرج مسلم عن عطاءقال: "أخبرني جابر أن لا أذان لصلاة يوم الفطر حين يخرج الإمام، ولا بعدهايخرج، ولا إقامة، ولا نداء، ولا شيء، لا نداء يومئذ ولا إقامة".
قالالشيخ ابن باز حفظه الله في تعليقه على حديث جابر: "هذا... ومنهنا يعلم أن النداء للعيد بدعة بأي لفظ كان، والله أعلم" (انظر تعليق الشيخ على فتح الباري (2/525)).

صفة صلاة العيد: عدد ركعاتها:
لا خلاف بين أهل العلم أن صلاة العيد مع الإمام ركعتانوإنما اختلفوا فيمن لم يدركها معه كما سيأتي بمشيئة الله، فعن عمر بن الخطاب رضيالله عنه قال: (صلاة العيد والأضحى ركعتان ركعتان، تمام غيرقصر على لسان نبيكم وقد خاب من افترى) (أخرجه أحمد بإسناد صحيح (الإرواء ص638)).

مايقرأ فيها:
لا خلاف بين أهل العلم في مشروعية قراءةالفاتحة وسورة في كل ركعة من صلاة العيد.
ويستحب أن يقرأ في الأولى بسبح، وفيالثانية بالغاشية لحديث النعمان بن بشير عند مسلم وغيره قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في العيدين، وفي الجمعة بـ{سَبِّحِ ?سْمَ رَبّكَ ?لأَعْلَى?}[الأعلى:1].و{هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ?لْغَـ?شِيَةِ} [الغاشية:1].وربما اجتمعا في يوم واحد فقرأ بهما).
أو يقرأ بـ{ق وَ?لْقُرْءانِ ?لْمَجِيدِ} [ق:1].و{?قْتَرَبَتِ ?لسَّاعَةُ وَ?نشَقَّ ?لْقَمَرُ}[القمر:1].لحديث أبي واقد الليثي عند مسلم وغيره أنه صلىالله عليه وسلم كان يقرأ في الفطر والأضحى بـ {ق وَ?لْقُرْءانِ ?لْمَجِيدِ} [ق:1].و{?قْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّالْقَمَرُ} [القمر:1].
ومهما قرأ بهأجزأه، ولكن الأولى اتباع السنة.
الجهرفيها:
يسن الجهر فيهما، قال ابن المنذر: أكثرأهل العلم يرون الجهر بالقراءة، وفي إخبار من أخبر بقراءة النبي صلى الله عليه وسلمدليل على أنه كان يجهر.
التكبير فيها:
يستحب للإمام أن يكبر في الصلاة سبعاً في الأولى وخمساً فيالثانية، ثبت هذا عن جماعة من الصحابة والتابعين، كعمر وعثمان وعلي وأبي هريرة وابنعباس وأبي سعيد وغيرهم ، وروى ذلك عن فقهاء المدينة السبعة، وعمر بن عبد العزيزوالزهري ومالك.
وأما المرفوع فمختلف فيه، ومن ذلك ما روته عائشة أنه صلى اللهعليه وسلم: (كان يكبر في الفطر والأضحى: في الأولى سبعتكبيرات، وفي الثانية خمساً سوى تكبيرتي الركوع)(رواه أبو داود والفريابي وغيرهما، وفي إسناده ابن لهيعة مختلف فيه،ورواية العبادلة عنه مقبولة على الصحيح، وهذا من رواية عبد الله بن وهب عنه، وهومخرج في الإرواء (3/17)، وقال الشيخ الألباني حفظه الله بعد أن ساق عدة طرق للحديث: وبالجملة فالحديث بهذه الطرق صحيح، ويؤيده عمل الصحابة به (الإرواء 3/110)).
وأخرجه الدارقطني عنها بلفظ (كان رسول الله صلىالله عليه وسلم يكبر في العيدين اثنى عشر تكبيرة سوى تكبيرتي الاستفتاح)(سنن الدراقطني (2/46))وهذا مذهب الشافعي والأوزاعيوإسحاق.
وأخرج ابن أبي شيبة بسند صحيح على شرط الشيخين، عن ابن عباس أنه كانيكبر في العيد في الأولى سبع تكبيرات بتكبيرة الاستفتاح وفي الآخرة ستاً بتكبيرةالركعة كلهن قبل القراءة(الإرواء (3/111)).
وأماالتكبير أربعاً فقد ثبت من فعل بعض الصحابة، والمرفوع منه فيه ضعف يسير(انظر أحكام العيدين للفرياني (ص164)).وهذا مذهب الأحناف.
وصح عن ابن عباس أنه قال: (من شاء كبر سبعاً، ومن شاء كبرتسعاً، وبإحدى عشرة وثلاث عشرة) (الإرواء (3/112)).
قال الشيخ الألباني: ويجمع بينها أنه كان يرى التوسعة فيالأمر وأنه يجيز كل ما صح عنه... والله أعلم. اهـ.
وكون بعض الصحابة كبر سبعاًوخمساً وبعضهم كبر أربعاً دون إنكار أحد من الصحابة شيئاً من ذلك، يدل على ثبوتالتكبيرتين والله أعلم، إذ التكبير فيها عبادة، والأصل فيها التوقيف(انظر: سواطع القمرين في تخريج أحاديث أحكام العيدين (ص165)).
رفع اليدين مع كلتكبيرة: اختلف العلماء في ذلك علىقولين:
الأول:أنه يستحب رفع اليدين مع كلتكبيرة مثل رفعها مع تكبيرة الإحرام، وهو قول عطاء والأوزاعي وأبي حنيفة والشافعيوأحمد ورواية عن مالك، ودليلهم عموم حديث وائل بن حجر أنه صلى الله عليه وسلم كانيرفع يديه مع التكبير(الإرواء (641) (3/113)).
قالأحمد: أما أنا فأرى أن هذا الحديث يدخل فيه هذا كله.
وروى عن عمر أنه كان يرفعيديه في كل تكبيرة في الجنازة، والعيد(قال الألباني: إسنادهضعيف، الإرواء ح (640) (3/112)).
الثاني: أنه لا يستحب رفعهما في غيرتكبيرة الإحرام وهو قول الثوري ورواية عن مالك واختاره الشيخ الألباني.
ويمكنتوجيه القولين على ما ذكره مالك ونقله عنه ابن المنذر قال: (ليس في ذلك سنة لازمة، فمن شاء رفع يديه فيها كلها وفي الأولى أحبإلي) (سواطع القمرين (ص183)).
ما يقول بين التكبير: يحمد الله ويثني عليه يُصلى على النبي صلى الله عليه وسلم بين كلتكبيرتين، ودليل ذلك ما رواه الأثرم واحتج به أحمد، عن عقبة بن عامر قال: سألت ابنمسعود عما يقول بعد تكبيرات العيد، قال: (يحمد الله ويثني عليه، ويُصلى على النبيصلى الله عليه وسلم) (صحيح، الإرواء ح(632)).
فإنقال غيره نحو أن يقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، أوما شاء من الذكر، فجائز، قاله صاحب المغني، وهو قول الشافعي، ويؤيده ما أخرجهالبيهقي بسند جيد عن ابن مسعود قال في صلاة العيد: (بين كلتكبيرتين حمد الله عز وجل، وثناء على الله)(الإرواء (3/115)).
وقال أبو حنيفة ومالك والأوزاعي: يكبر متوالياً، لا ذكر بينه، لأنه لوكان هناك ذكر بينها لنقل إلينا كما نقلت (أي التكبيرات).
وأثر ابن مسعود صحيحيشهد للقولين الأوليين، والله أعلم.
إذا شك في عدد التكبيرات، ماذا يصنع؟
إذا شك في عدد التكبيرات، بنى على اليقين وهو الأقل.
فإذا ترك التكبيرعمداً أو سهواً؟
لم تبطل صلاته لأنه سنة، قال ابن قدامة: ولا أعلم فيه خلافاً.
فإن نسى التكبير، وشرع في القراءة لم يعد إليه، وهو أحد قولي الشافعي واختارهابن عثيمين، وقيل يعود إلى التكبير لأنه ذكره في محله وهو القيام وهذا قول مالكوالقول الثاني للشافعي.
وإن ذكر التكبير بعد القراءة فأتى به لم يُعد القراءةوجهاً واحداً.
وإن لم يذكره حتى ركع سقط وجهاً واحداً لفوات محله.
المسبوقإذا أدرك الإمام بعد تكبيره:
قال ابن قدامة: قال ابن عقيل: يكبر؛ لأنه أدركمحله، ويحتمل أن لا يكبر، لأنه مأمور بالإنصات إلى قراءة الإمام، ويحتمل أنه إن كانيسمع قراءة الإمام أنصت وإن كان بعيداً كبر. اهـ.
قلت: والإنصات أولى؛ لأنهمأمور به حال قراءة الإمام، بخلاف التكبير فهو سنة بالاتفاق، كما أنه – أي التكبيرسنة فات محلها، والله أعلم.
متىيقول دعاء الاستفتاح؟ يدعو بدعاء الاستفتاح عقيب التكبيرةالأولى، ثم يكبر تكبيرات العيد، ثم يتعوذ، ثم يقرأ، وهذا مذهب الشافعي ورواية عنأحمد واختاره ابن قدامة.
والرواية الأخرى عن أحمد أن الاستفتاح بعد التكبيرات،لأن الاستفتاح تليه الاستعاذة وهي قبل القراءة.
قال ابن قدامة: ولنا أنالاستفتاح شرع ليستفتح به الصلاة، فكان في أولها كسائر الصلوات، والاستعاذة شرعتللقراءة، فهي تابعة لها، فتكون عند الابتداء بها... ثم قال: وأياما فعل كانجائزاً(المغني (3/273-274)).

خطبة العيدين والسنة فيها: حكمها:
الخطبة بعد صلاة العيد سنة، والاستماع إليها كذلكلحديث عبد الله بن السائب قال: شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العيد فلماقضى الصلاة قال: (إنا نخطب، فمن أحب أن يجلس للخطبة فليجلس،ومن أحب أن يذهب فليذهب) (رواه النسائي وأبو داود وابنماجه، وهو صحيح (الإرواء ح 629))،ولكن الاستماع لها أفضل.
قال الشافعي: لو ترك الاستماع كرهته(المجموع (5/23، 24)).
وقتهـا: لاخلاف بين المسلمين أن السنة في خطبة العيد أن تكون بعد الصلاة، وأن ما أحدثه بنوأمية من جعلها قبل الصلاة بدعة محدثة مخالفة لسنته صلى الله عليه وسلم، وقد أنكرعليهم فعلهم، ودليل ذلك ما أخرجه الشيخان عن ابن عمر، قال: إن النبي صلى الله عليهوسلم، وأبا بكر، وعمر، وعثمان، كانوا يُصلون العيدين قبل الخطبة.
فلو خطب قبلالصلاة فهو مسيء، وفي الاعتداء بالخطبة قولان: أصحهما أنه لا يعتد بها لقوله عليهالصلاة والسلام: ((صلوا كما رأيتموني أصلي))،وقياساًعلى السنة الراتبة بعد الفريضة إذ قدمها عليها، قاله النووي فيالمجموع(المرجع السابق (5/24، 25)).

صفتهـا: يستحب افتتاح الخطبة بحمدالله تعالى، ولم يحفظ عنه صلى الله عليه وسلم غير هذا.
قال ابن القيم: كان صلىالله عليه وسلم يفتتح خطبه كلها بالحمد، ولم يحفظ عنه في حديث واحد صلى الله عليهوسلم: (أنه كان يكبر بين أضعاف الخطبة، ويكثر التكبير في خطبةالعيد) (قال الألباني في تمام المنة: ومع أنه لا يدلعلى مشروعية افتتاح خطبة العيد بالتكبير، فإن إسناده ضعيف .. فلا يجوز الاحتجاج بهعلى سنية التكبير في أثناء الخطبة (تمام المنة ص351)).وإن كان في فطر حثعلى صدقة الفطر، وبين بعض أحكامها، وإن كان في أضحى حث على سنة الأضحية وبين السنالمجزئة فيها.
تكرار الخطبة:
واختلف في تكرار الخطبة، فأكثر أهل العلم أن الإمام يخطب للعيدخطبتين، يجلس بينهما قياساً على خطبتي الجمعة، ولحديث جابر قال: (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يومفطر أو أضحى فخطب قائماً، ثمقعد قعدة، ثم قام)(قال الألباني في ضعيف سنن ابن ماجه: منكراً سنداً ومتناً، والمحفوظ أن ذلك في خطبة الجمعة، ضعيف سنن ابن ماجه (ص94)).
والقول الآخر: أنه يخطب للعيد خطبة واحدة لا يجلس أثناءها، وقياس خطبةالعيد على خطبة الجمعة قياس مع الفارق؛ لأن الأولى سنة، والثانية واجبة، كما أنخطبة الجمعة تكون قبل الصلاة وتلك بعدها، وأما السنة، فلم يثبت من طريق صحيح يحتجبه أن للعيد خطبتين يفصل بينهما الإمام بجلوس، ونقل صاحب فقه السنة عن النووي قوله: لم يثبت في تكرير الخطبة شيء(فقه السنة (1/271)).

حكم اتخاذ المنبر لها:
قال البخاري: باب الخروج إلى المصلى بغير منبر، وذكر حديثأبي سعيد قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلىفأول شيء يبدأ به الصلاة، ثم ينصرف فيقوم مقابل الناس، والناس جلوس على صفوفهم ... قال أبو سعيد: فلم يزل الناس على ذلك حتى خرجت مع مروان – وهو أمير المدينة – فيأضحى أو فطر، فلما أتينا المصلى إذا منبر بناه كثير بن الصلت، فإذا مروان يريد أنيرتقيه قبل أن يصلي، فجذبت بثوبه فجبذني، فارتفع فخطب قبل الصلاة، فقلت له: غيرتموالله(فتح الباري ( 2/522)).
وفي رواية: (فقام رجال فقال: يا مروان، خالفت السنة، أخرجت المنبر في يوم عيد،ولم يكن يخرج فيه، وبدأت بالخطبة قبل الصلاة، فقال أبو سعيد: أما هذا فقد أدى ماعليه)(نيل الأوطار (3/304)).
قال ابن حجر: يحتمل أن تكون القصة تعددت، وقال: وفيه أن الخطبة على الأرض عن قيام في المصلى أولىمن القيام على المنبر، والفرق بينه وبين المسجد أن المصلى يكون بمكان فيه فضاءفيتمكن من رؤيته كل من حضر، بخلاف المسجد فإنه يكون في مكان محصور فقد لا يراهبعضهم(فتح الباري (2/520، 522)).

حكم الكلام أثناء الخطبة: يكره الكلاموالإمام يخطب يوم العيد ... نقله في المجموع من الشافعي، وابن أبي شيبة في مصنفه عنالحسن وعطاء وغيرهما، ولا شك أن من الأدب ألا يتكلم لأنه إذا تكلم أشغل نفسه وغيره.
مخالفة الطريق: ذهب أكثر أهل العلم إلى استحباب الذهاب إلى صلاة العيد في طريق،والرجوع في طريق آخر سواء كان إماماً أو مأموماً لحديث جابر عند البخاري قال: كانالنبي صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم عيد خالف الطريق.
وعن أبي هريرة رضي اللهعنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج إلى العيد يرجع في غير الطريق الذيذهب فيه.
ويجوز الرجوع في الطريق الذي ذهب فيه كما ثبت هذا من فعل بعض الصحابةرضوان الله عليهم، عند أبي داود وغيره.
اجتماع العيد والجمعة: إذا اجتمع العيد والجمعة فييوماً واحد سقطت الجمعة عند أكثر أهل العلم(مذهب الشافعيسقوطها عن أهل القرى، ولا تسقط عن أهل البلد، وقال أبو حنيفة لا تسقط عن أهل البلدولأهل القرى. (المجموع 4/492))عمن صلى العيد لحديث زيد بن أرقم قال: صلىالنبي صلى الله عليه وسلم العيد ثم رخص في الجمعة، فقال: (منشاء أن يُصلى فليصل)(رواه أبو داود والنسائي وابن ماجهوغيرهم، وصححه الألباني بشواهده. (تمام المنة ص344)).
أما الإمامففي سقوطها عنه روايتان:
الأول:لا تسقطلقوله عليه الصلاة والسلام: (قد اجتمع في يومكم هذا عيدان، فمنشاء أجزأه من الجمعة، وإنا مجمعون)(رواه أبو داود، وهوفي صحيح سنن أبي داود للألباني ح(948))؛ ولأن الإمام لو تركها لامتنع فعلالجمعة في حق من تجب عليه، ومن يريدها ممن سقطت عنه، بخلاف غيره من الناس.
والثانية:تسقط لعموم قوله(فمن شاء)،ولما أخرجه النسائي وأبو داود عن وهب بن كيسانقال: اجتمع عيدان على عهد ابن الزبير، فأخَّر الخروج حتى تعالى النهار، ثم خرج فخطبثم نزل فصلى، ولم يُصلي للناس يوم الجمعة، فذكرت ذلك لابن عباس، فقال: أصاب السنة(صحيح سنن النسائي ح(1501))،وفي رواية أبي داود: (فجمعهما جميعاً فصلاهما ركعتين بكرة لم يزد عليهما حتى صلى العصر) (صحيح سنن أبي داود (947)).
قال الشوكاني: ويدل على أن الترخيص عام لكل واحد ترك ابن الزبير للجمعة وهو الإمام إذا ذاك، وقولابن عباس أصاب السنة، رجاله رجال الصحيح، وعدم الإنكار عليه من أحد من الصحابة،وأيضاً لو كانت الجمعة واجبة على البعض لكانت فرض كفاية، وهو خلاف معنى الرخصة. اهـ(نيل الأوطار (3/283)).
قلت: وهذا الذي ذكره الإمامالشوكاني رحمه الله فيه نظر، إذ يحتمل أن يكون ابن الزبير رضي الله عنه قد قدَّمالجمعة إلى قبل الزوال على القول بذلك، ويؤيده قول ابن عباس: أصاب السنة، إذ السنةفي حق الإمام صلاة الجمعة وإن صلى العيد كما هو ظاهر قوله صلى الله عليه وسلم: ((وإنا مجمعون))،والله أعلم.
وهل يُصلى الظهر إذا ترك الجمعة؟
في وجوبها، فقيل تجب صلاة الظهر على منتخلف عن الجمعة لحضوره العيد، وقيل لا تجب لحديث ابن الزبير عن أبي داود، وقد تقدم،قال الشوكاني: قوله: (لم يزد عليهما حتى صلى العصر): ظاهره أنه لم يصل الظهر، وفيه أن الجمعة إذا سقطت بوجه من الوجوه المسوغة لميجب على من سقطت عنه أن يُصلى الظهر وإليه ذهبه عطاء(نيلالأوطار (3/283)).
قال الخطابي: وهذا لا يجوز أن يحمل إلا على قول منيذهب إلى تقديم الجمعة قبل الزوال، فعلى هذا يكون ابن الزبير قد صلى الجمعة فسقطالعيد؛ والظهر، ولأن الجمعة إذا سقطت مع تأكدها، فالعيد أولى أن يسقط بها، أما إذاقدم العيد فإنه يحتاج إلى أن يُصلى الظهر في وقتها إذا لم يصل الجمعة(المغني (3/243)).
قال الشوكاني في التعقيب على هذاالتوجيه: ولا يخفى ما في هذا الوجه من التعسف(نيل الأوطار (3/283)).
وقالصاحب فقه السنة: والظاهر عدم الوجوب(فقه السنة (1/267)).أي عدم وجوب الظهر لمن شهد العيد وتخلف عن الجمعة.
حكم من فاتته صلاة العيد: أ‌- الجماعة إذا فاتتها صلاة العيد بسببعذر:فإنها تخرج من الغد فتصلى العيد، لما رواه أحمد والنسائي وابن ماجهبسند صحيح من حديث أبي عمير بن أنس قال: حدثني عمومتي من الأنصار من أصحاب الرسولصلى الله عليه وسلم، قالوا: أغمى علينا هلال شوال وأصبحنا صياماً فجاء ركب من آخرالنهار فشهدوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم رأوا الهلال بالأمس فأمرهمرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفطروا وأن يخرجوا إلى عيدهم منالغد(صحيح سنن ابن ماجه ح(1465)).
قال الشافعي: إن علم بعدالغروب صلاها من الغد، وإن علم بعد الزوال لم يُصلِّ.
قال الخطابي: سنة رسولالله صلى الله عليه وسلم أولى، وحديث أبي عمير صحيح، فالمصير إليه واجب(المغني (3/286)).
ب‌- الواجب إذا فاتته معالإمام:
1- من فاتته لعذر:من كان يوم العيدمريضاً أو محبوساً، أو خرج ليصلي ففاتته الصلاة مع الإمام، وعادته يُصلى العيد،فهؤلاء يصلون جماعة وفرادى.
قال ابن تيمية رحمه الله: وهؤلاء بمنزلة الذيناستخلف علي من يُصلى بهم(مجموع الفتاوى (24/182)).
2- من تركها لغير عذر:ظاهر كلام ابن تيمية أنه لايشرع له قضاؤها، فقال: والذي خرج ليصل ففاتته مع الإمام يصلى يوم العيد، بخلاف منتعمد الترك(المرجع السابق (24/186)).
وأكثر العلماءيقولون بمشروعية القضاء مطلقاً سواء كان الترك اضطرارًا أم اختياراً. قال البخاري: باب إذا فاته العيد يصلي ركعتين.
قال ابن حجر: في هذه الترجمة حكمان: مشروعيةاستدراك صلاة العيد كأصلها إذا فاتته مع الجماعة سواء كانت بالاضطرار أو بالاختيار،وكونها تقضى ركعتين كأصلها(فتح الباري (2/550)).
والمشهور عن مالك أنه لا قضاء عليه أصلاً؛ لأنها صلاة من شرطها الجماعةوالإمام كالجمعة، وقال أبو حنيفة يتخير بين القضاء والترك.
متى يقضيها: إذا فاتت حتى تزول الشمس،وأحب قضاءها، قضاها متى أحب، وقيل لا يقضيها إلا من الغد قياساً على الجماعة إذافاتتها الصلاة، وهو قياس مع الفارق، قال ابن قدامة: "لأن مايفعله تطوع فمتى أحب أتى به ... بخلاف الحالة الأولى (أي الجماعة إذا فاتها العيد) التي يعتبر لها شروط العيد، ومكانه وصفة صلاته، فاعتبر لها الوقت"(المغني (3/286، 287)).
أين يقضيها؟ قيل لأبي عبد الله: أين يُصلي؟(أي من فاتته الصلاة)قال: إن شاء مضى إلى المصلى، وإن شاءحيث شاء(المغني (3/285)).
صفة القضاء:
يقضيها ركعتين كصلاةالإمام يكبر فيها نحو تكبيرة ويجهر كجهره لما روى عن أنس، أنه(كان إذا لم يشهد العيد مع الإمام بالبصرة جمع أهله ومواليه، ثم قامعبد الله بن أبي عتبة مولاه فيصلى بهم ركعتين، يكبر فيهما) (أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه باب الرجل تفوته الصلاة في العيد كمايصلي، ورواه البيهقي تعليقاً كما في الإرواء وإسنادهما ضعيف. (الإرواء 3/120، 121))؛ولأنه قضاء صلاة فكان على صفتها كسائر الصلوات، وهي مخير، إن شاءصلاها وحده، وإن شاء في جماعة(المغني (3/284))،وهذامذهب الشافعي ورواية عن مالك ورواية عن أحمد.
والمشهور في مذهب أحمد أن منفاتته صلاة العيد صلى أربع ركعات، كصلاة التطوع، وهي المختارة عند محققي أصحابه،واختاره ابن قدامة في المغني لقول ابن مسعود رضي الله عنه: (منفاته العيد مع الإمام فليصل أربعاً) (قال الحافظ في الفتح: أخرجه سعيد بنمنصور بسند صحيح(الفتح 2/550)،وأخرجه أيضاً ابن أبيشيبة والطبراني في الكبير وقال الهيثمي: (ورجاله ثقات). وتعقبه الألباني بقوله: ولكنه منقطع لأن الشعبي لم يسمع من ابن مسعود كما قال الدارقطني والحاكم. (الإرواء 3/121)).قال الإمام أحمد: يقوى ذلك حديث علي، أنهأمر رجلاً يُصلى بضعفة الناس أربعاً ولا يخطب، ولأنه قضاء صلاة العيد فكان أربعاًكصلاة الجمعة(المغني (3/284)).
قال الزين ابنالمنير: لكن الفرق ظاهر (أي بين العيد والجمعة)لأن منفاتته الجمعة يعود لفرضه من الظهر بخلاف العيد(الفتح (2/550)).
وقال أبو حنيفة، وهي رواية عن أحمد: يخير بين أن يصلي ركعتينأو أربعاً.
وفرق بعضهم بين القضاء في المصلى وغيرها، وفي الجماعة وغيرها.
وذهب ابن رشد إلى أن أقرب الأقوال: هما قول الشافعي وقول مالك(أي في المشهور عنه، وهو أنه لا قضاء عليه أصلاً).
قالوأما سائر الأقاويل في ذلك فضعيف لا معنى له(بداية المجتهد (1/220)).

التكبير في العيدين: يستحب للناس إظهار التكبير في ليلتي العيدين في مساجدهم، ومنازلهم،وطرقهم، مسافرين كانوا أو مقيمين لظاهر قوله تعالى: {وَلِتُكْمِلُواْ ?لْعِدَّةَ وَلِتُكَبّرُواْ ?للَّهَ عَلَى? مَاهَدَاكُمْ} [البقرة:185].وإظهاره يكون برفعالصوت به، لما في ذلك من إظهار شعائر الإسلام وتذكير الغير، كما ثبت عن ابن عمر أنهكان يكبر في قبته بمنى، يسمعه أهل المسجد فيكبرون ويكبر أهل الأسواق حتى ترتج منىتكبيراً(رواه البخاري تعليقاً بصيغة الجزم (الفتح 2/534)).

وقت التكبير:
اختلف العلماء في ابتداء وانتهاء وقت التكبير فيالعيدين:

أ‌- وقته في عيدالفطر :
قال مالك: يكبر يوم الفطر دون ليلته، وانتهاؤه عنده إلى أن يخرجالإمام.
وعن أحمد والشافعي: ابتداؤه من رؤية الهلال لقوله تعالى: {وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبّرُواْ اللَّهَ عَلَى مَاهَدَاكُمْ} الآية، وإكمال العدة يكون بغروب الشمس من ليلة العيد، وفيانتهائه عند أحمد روايتان، إحداهما: إذا خرج الإمام، وهو قول الشافعي أيضاً.
ب‌- وقته في الأضحى:
اختلفوا فيه كذلكعلى أقوال، ولم يثبت في شيء من ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث، وأصحها كمالقال الحافظ في الفتح، قول علي وابن مسعود (أثر علي رواه ابن أبي شيبة من طريقينأحدهما جيد، ومن هذا الوجه رواه البيهقي، وروى مثله عن ابن عباس بإسناد صحيح، وأثرابن مسعود رواه الحاكم). (انظر الإرواء 3/125))أنه منصبح يوم عرفة إلى عصر آخر أيام منى وهو الثالث عشر من ذي الحجة. وهذا قول أحمد وأبيحنيفة، والراجح من مذهب الشافعي(انظر في هذه المسألة: (رحمة الأمة فياختلاف الأئمة (ص61)، وفتح الباري (2/536)، وفقه السنة (1/274)).
وهذافي التكبير المطلق، ويكون على كل حال في الأسواق وغيرها، وفي كل زمان.
أماالمقيد الذي يكون عقيب الصلوات فيشرع في عيد الأضحى بلا خلاف، وهل يشرع في عيدالفطر؟ قولان أصحهما أنه لا يشرع لعدم ورود الخبرية، وهو ظاهر كلام أحمد وجمهورالشافعية.
وإذا نسي الإمام التكبير كبر المأموم، وهذا قول الثوري، ذكره ابنقدامة في المغني(المغني (3/293)).
والمسبوقببعض الصلاة يكبر إذا فرغ من قضاء ما فاته، نص عليه أحمد، وهو قول أكثر أهل العلم.
حكم التكبير لمن صلى منفرداً في هذه الأوقات:
الجمهور أن المنفرد يكبر بعد الصلاة لأنه ذكر مستحبللمسبوق، فاستحب للمنفرد، وهو قول مالك والشافعية ورواية عن أحمد.
والمشهور منمذهب أحمد أن المنفرد لا يكبر لقول ابن مسعود: إنما التكبير على من صلى فيجماعة(رواه ابن المنذر، وقال الألباني: لم أقف على إسناده. (الإرواء 3/124)). وكذا نقل عن ابن عمر أنه كان لا يكبر إذا صلى وحده، وهوقول أبي حنيفة.
حكم التكبير خلف النوافل:
الجمهور أنه لا يكبر خلف النوافل.
والراجح عن أصحابالشافعي جوازه، ورجحه ابن حجر في الفتح.
هل يكبر عقيب صلاة العيد؟
ظاهركلام أحمد أنه يكبر، لأنها صلاة مفروضة في جماعة فأشبهت الفجر، واختاره صاحبالمغني(المغني (3/293)).وقيل لا يسن لأن الأثر إنماجاء في المكتوبات.
حكم تكبير النساء:
روايتان عن أحمد، الأولى: يكبرن، وكان النساء يكبرن خلفأبان بن عثمان، وعمر بن عبد العزيز ليالي التشريق مع الرجال في المسجد(رواه البخاري تعليقاً بصيغة الجزم (2/534)).
وينبغي لهنأن يخفضن أصواتهن حتى لا يسمعهن الرجال.
والرواية الثانية عند أحمد: لا يكبر؛لأن التكبير ذكر يشرع فيه رفع الصوت فلم يشرع في حقهن كالأذان.
وسبق من حديث أمعطية مشروعيته في حق الحيّض، فهو في حق غيرهن آكد. والله أعلم.
قال الحافظ فيالفتح في تعليقه على الآثار التي ساقها البخاري في التكبير أيام العيدين: "وقد اشتملت هذه الآثار على وجود التكبير في تلك الأيام عقب الصلواتوغير ذلك من الأحوال وفيه اختلاف بين العلماء في مواضع، فمنهم من قصر التكبير علىأعقاب الصلوات، ومنهم من خص ذلك بالمكتوبات دون النوافل، ومنهم من خصه بالرجال دونالنساء، وبالجماعة دون المنفرد وبالمؤداة دون المقضية، وبالمقيم دون المسافر،وبساكن المدن دون القرية، وظاهر اختيار البخاري شمول ذلك للجميع والآثار التي ذكرهاتساعده"(الفتح (2/535)).
الاعتماد فيالخطبة على ترس أو نحوه: عن البراء أن النبي صلى الله عليهوسلم نُوول يوم العيد قوساً فخطب عليه(أبو داود (1145)، وحسنهالألباني في صحيح سنن أبي داود (1014)).
قال الشوكاني: (الحديث فيه مشروعيةالاعتماد على سيف أو عصى حال الخطبة، قيل: والحكمة في ذلك الاشتغال عن العبث، وقيل: إنه أربط للجأش).

من آداب العيدين:
1- التهنئةوحكمها وما يقال فيها:
التهنئة التي يتبادلها الناس فيما بينهمأيا كان لفظها، مثل قول بعضهم لبعض: تقبل الله منا ومنكم، وما أشبه ذلك من عباراتالتهنئة. فهذا قد رُوي عن طائفة من السلف أنهم كانوا يفعلونه، فعن جبير بن نفيرقال: كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا التقوا يوم العيد، يقول بعضهم لبعض: تقبل الله منا ومنكقال الإمام أحمد: إسناده جيد،وحسن الحافظ إسناده في الفتح (2/517)،وانظر أيضاً تمام المنة للألباني (ص354-356)). ورخص فيه الأئمة كأحمدوغيره.
لكن روي عن الإمام أحمد أنه قال: أنا لا أبتدئ أحداً، فإن ابتدأنيأجبته.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وأما الابتداء بالتهنئة فليس سنةمأموراً بها، ولا هو أيضاً مما نُهي عنه، فمن فعله فله قدوة، ومن تركه فلهقدوةمجموع الفتاوى (24/253)).اهـ.
ولا ريب أن هذه التهنئة من مكارم الأخلاق،ومحاسن المظاهر الاجتماعية بين المسلمين، ولها أثر طيب في تقوية الصلات الوشائح،وإشاعة روح المحبة بين المسلمين، فأقل ما يقال فيها أن تهنئ من هنأك، وتسكت إن سكت(انظر وقفات للصائمين لفضيلة الشيخ سلمان العودة حفظه الله (ص99)).
2- زيارة الأهل والأقارب وصلةالرحم:
هذا مستحب مندوب إليه في كل وقتلكنه يتأكد في هذه الأيام، خاصة الوالدين لأن فيه إدخال أعظم السرور عليهما وهو منتمام الإحسان إليهما الذي أمر الله به في كتابه.
3- التوسعة في الأكل والشرب فيها:
لا حرج فيالتوسعة في الأكل والشرب والنفقة في هذه الأيام من غير سرف، لقوله صلى الله عليهوسلم في عيد الأضحى عند مسلم وغيره: ((أيام التشريقأيام أكل وشرب وذكر الله عز وجل)).
كما يباح اللهوالمباح:
لحديث أنس عند أبي داود، والنسائي بسند صحيح، قال: لما قدم النبي صلىالله عليه وسلم المدينة وجدهم يحتفلون بعيدين، فقال عليه الصلاة والسلام: ((كان لكم يومان تلعبون فيهما ، وقد أبدلكم الله خيراًمنها: يوم الفطر ويوم الأضحى))تقدم تخريجه(ص4)).
وأخرج الشيخان وأحمد عن عائشة قالت: (إن الحبشة كانوا يلعبون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في يومعيد فاطلعت من فوق عاتقه فطأطأ لي منكبيه فجعلت أنظر إليهم من فوق عاتقه حتى شبعتثم انصرفت).
وأما الغناء المباح فلما أخرجه الشيخانوأحمد من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: (دخل علي رسول الله صلى اللهعليه وسلم وعندي جاريتان تغنيان بغناء بعاث – وفي رواية -: وليستا بمغنيتين، فاضطجععلى الفراش وحوّل وجهه. ودخل أبو بكر فانتهرني، وقال: مزمارة الشيطان عند النبي صلىالله عليه وسلم ! فأقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: دعهما – وفي روايةفقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا بكر، إن لكل قوم عيداً، وهذا عيدنا)).
قال القرطبي: "(قولهاوليستا بمغنيتين) أي ليستا ممن يعرف الغناء كما يرفعه المغنيات المعروفات بذلك،وهذا منها تحرز عن الغناء المعتاد عند المشتهرين به، وهو الذي يحرك الساكن ويبعثالكامن، وهذا النوع إذا كان فيكذا بالأصل ولعلها (فيه) والله أعلم) شعر في وصفمحاسن النساء والخمر وغيرهما من أمور المحرمة، لا يختلف في تحريمه"نقلاً عن فتح الباري (2/513)).
قال الحافظ: وفي هذا الحديث من الفوائد مشروعية التوسعة على العيالفي أيام الأعياد بأنواع ما يحصل لهم بسط النفس، وترويح البدن من كلف العبادة، وأنالإعراض عن ذلك أولى، وفيه أن إظهار السرور في الأعياد من شعائر الدي(فتح الباري (2/514)).

بعض البدع والمنكرات التي تحدث فيالأعياد:

1- اعتقاد البعضمشروعية إحياء الليلة العيد:
حيث يعتقد بعض الناس مشروعية إحياء ليلة العيد، ويتناقلون في ذلك حديثاً لا يصح وهو أن من أحيا ليلة العيد لم يمت قلبه يوم تموت القلوب.
وهذا حديث لا يصح، جاء من طريقين أحدهما موضوع والآخر ضعيف جداً (انظر سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة للألباني ح (520، 521))
فلا يشرع تخصيص ليلة العيد بذلك من بين سائر الليالي، بخلاف من كان عادته القيام في غيرها فلا حرج إن قامها من غير تخصيص.
2- زيادة المقابر في يومي العيدين:
وهذا مع مناقضته لمقصود العيد وشعاره من البشر والفرح والسرور، وما فيه من تجديد الأحزان والأتراح، ومخالفته هديه صلى الله عليه وسلم وفعل السلف، فإنه في عموم نهيه صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ القبور عيداً، إذ إن قصدها في أوقات معينة، ومواسم معروفة من معاني اتخاذها عيداً، كما ذكر أهل العلم (انظر أحكام الجنائز وبدعها (ص219)، (ص258))
3- اختلاط النساء بالرجال في المصلى والشوارع وغيرها، ومزاحمتهن الرجال فيها:
وفي ذلك فتنة عظيمة وخطر كبير، فالواجب على ولاة الأمور تحذيرهن من ذلك السلوك واتخاذ التدابير اللازمة لمنع ذلك ما أمكن، كما ينبغي على الرجال والشباب عدم الانصراف من المصلى أو المسجد إلا بعد تمام انصرافهن.
4- خروج بعض النساء متعطرات متجملات سافرات:
فمثل هؤلاء النسوة على خطر عظيم، ولا ينلن من سعيهن إلا الوزر والحرمان، وقد قال عليه الصلاة والسلام: ((إذا استعطرت المرأة فخرجت على القوم ليجدوا ريحها فهي كذا وكذا))(أخرجه أحمد في مسنده، وأبو داود والنسائي والترمذي،وقال: حسن صحيح. وحسنه الألباني (المشكاة ح1065)) أي زانية، وثبت في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((صنفان من أهل النار لم أرهما، قوم معهم سياط كأذناب البقريضربون بها الناس ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا)).
فالواجب على أولياء النساء أمرهن بالتستر والحجاب والتزام آداب الخروج من البيت، وتحذيرهن من التعرض لسخط الله إن فعلن ذلك. فإن لم يلتزمن بأحكام الشرع وجب عليهم منعهن من الخروج منعاً لفتنتهن ودرءاً لإفسادهن وإلا أثموا.
5-الاستماع إلى الغناء المحرم والمعازف والموسيقى وغيرها:
من المنكرات المعلومة المنتشرة من أفلام ومسرحيات وغيرها، وربما تبجح بعضهم واحتج بحدث الجاريتين على ما هو عليه من منكر، وهذا مصداق قوله صلى الله عليه وسلم: ((ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحِروالحرير والخمر والمعازف)) (رواه البخاري في صحيحه (فتح الباري 10/53))
والحر هو الفرج الحرام يعني الزنا، والمعازف هي الأغاني وآلات الطرب. وقد سبق ذكر كلام أهل العلم على حديث الجاريتين والمقصود بالغناء في الحديث.
وما هكذا ينبغي أن يكون شكر الرحمن في فطر أو أضحى، وهؤلاء لم يحصلوا من هذه المواسم العظيمة، من رمضان أو عشر ذي الحجة إلا الجوع والعطش والحرمان من الثواب العظيم، ولم ينالوا التقوى التي هي مقصود هذه المواسم العظيمة.
مر أحد الصالحين بقوم يلهون ويلغون يوم ا لعيد فقال لهم: إن كنتم أحسنتم في رمضان فليس هذا شكر الإحسان، وإن كنتم أسأتم فما هكذا يفعل من أساء مع الرحمن.
فلو تأمل هؤلاء فيمن صلى معهم الأعياد الماضية من الأهل والخلان، أين ذهبوا؟ وأين ارتحلوا؟!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق