السبت، 18 ديسمبر 2010

زنا المحارم


"الحمو الموت".. هل أدركنا هذا المعنى؟
الدكتور عمرو أبو خليل**


صلى الله عليك يا رسول الله، فمن يعرفك حقا لا يملك إلا أن يصلي عليك تعظيما وإكراما لما تركته لهذا العالم من توجيهات عظيمة، التي كلما تقدمت بنا الحياة أدركنا أهميتها. أقول هذا بمناسبة فتح ملف "زنا المحارم" التي حذر منها -صلى الله عليه وسلم- في جملة بليغة وقصيرة، لكنها لخصت كل ما يمكن أن يقال في هذا الإطار بقوله "الحمو الموت". فتعالوا نرى كيف يكون الحمو موتا كما أخبرنا نبينا الكريم، وكيف يؤدي التسيب وعدم وضع حدود للعلاقة بين المحارم إلى الموت الأخلاقي، أو إلى جريمة "زنا المحارم".
خطر المحارم المؤقتين
لا شك في أن جريمة "زنا المحارم" واضحة حرمتها، كما أنه في أغلب حالاتها تحتاج إلى نفس غير سوية للوقوع فيها، غير أني أستطيع القول بأن كثيرا من حالات زنا المحارم تحدث في دائرة من نطلق عيهم "المحارم المؤقتين"، كما في حالة أخت الزوجة، وأخو الزوج، وزوج الأخت، وزوجة الأخ، وخال الزوج، وخالة الزوجة أو بنت خالها وخالتها وغيرهم ممن على نفس الدرجة من القرب؛ حيث يتم تخطي الحدود بين أطراف هذه القرابات؛ فالأخت تذهب لزيارة أختها المتزوجة وترى أنه لا بأس من أن تخلع حجابها أمام زوج أختها، فهو في مقام أخيها الكبير ولا مانع من أن تبيت عند أختها وتظهر أمام زوج أختها بلباس (قميص) النوم، وربما مكثت أياما عند أختها لأنها تذاكر بصورة أفضل في بيت أختها، أو لأنها تخدم أختها الحامل أو التي ولدت وتحتاج للمساعدة.. وباللغة الدارجة ترفع التكليف بينها وبين زوج أختها فلا حدود في الكلام أو المزاح أو اللباس، لتتطور العلاقة دون شعور من الطرفين وتتأجج المشاعر والكل غافل عما سيصلون إليه من كارثة.
وكذلك نجد أخا الزوج يدخل على زوجة أخيه، وهي أيضًا لا تلتزم بالحدود، وترفع التكليف فهو في مقام أخيها، وربما أيضًا يبيت للمذاكرة أو لأنه من بلد آخر، وجاء ليعمل والزوجة لا تراعي أنه رجل غريب في الحقيقة، وله مشاعر وأحاسيس؛ فتظهر أمامه بملابس النوم أو تكسر الحدود في الحديث، والأمر يتطور، والغريب في الأمر كل الأطراف في العائلة ترى ما يحدث ولا تلقي له بالا، ويتكرر هذا مع غير المحارم أيضا كما في حالة بنت الخالة والخال أو ابن العم والعمة، وتحت ادعاء الأخوة يتم تجاوز الحدود، وفي لحظة ضعف -وارد أن يمر بها أي إنسان- تقع الكارثة.
وهنا يقع "زنا المحارم" بالاتفاق بين الطرفين، فلا يوجد في العلاقة تحرش أو إجبار، مثلما يحدث في بعض حالات "اغتصاب المحارم"؛ فالوقائع هنا تحدث في عالم الكبار البالغين العاقلين المدركين لما يفعلون، ولذلك يحدث ما يحدث بالاتفاق التام، والتواطؤ الكامل بين الطرفين؛ ولذا فإن الأمر يصل إلى الزنا الكامل بين أناس ما كانوا يتصورون أن يصلوا إلى ذلك الحد من الوقاحة، كما لا يتصور المحيطون بهم إذا اكتشفوا ما يحدث أنهم فعلوا هذه الجريمة البشعة، فكل شيء يتدثر بلباس البراءة والعفوية والبساطة، ويبدأ الأمر بأحاديث بريئة، ثم تقتحم العين ما لا يصح أن تراه، ثم يحدث الاقتراب التلقائي الذي تبدو سبله ميسرة على خلفية الحرمة، وعلى خلفية أنهما محارم، وهنا يقع المحظور.
تمسكوا بتعاليم نبيكم

ولذلك عندما تحدث الرسول الكريم عن عدم دخول الرجال على النساء قالوا: أرأيت الحمو يا رسول الله، فكان الرد المعجز والعبقري للرسول الكريم "الحمو الموت"، والحمو هم أقارب الزوج، ولم يجد الرسول كلمة تصلح لتجاوز الحد في العلاقة بين الأقارب إلا كلمة الموت، بما تحمله من إيحاءات الهلاك والدمار.
ونعود إلى ممارساتنا التي تؤدي إلى الوقوع في زنا المحارم والتي تبدو تصرفات بسيطة وعفوية، فنجد الأخت تدخل على زوج أختها الذي يأتي لزيارتها في بيت أهلها في أثناء العقد بدون حجاب، وتقول: "عادي.. إنه زوج أختي"، وتتصور أن حرمتها المؤقتة تمنعه من النظر إليها، أو حتى من نظرها هي إليه وتأثرها به، والزوجة تتبسط مع أخي زوجها، وتقوم على شئونه، ورأينا في حالات عديدة كيف تغير زوجة الأخ من الزوجة الوافدة لأخي زوجها، وتحاول أن تفسد علاقته بزوجته؛ لأنها هي من كانت تهتم به وترعاه.
ونرى أقارب وقد انتفت الحدود بينهم حتى لا تعرف من هو الأخ من الزوج، وفي مشهد وداع عند السفر أو استقبال ترى الجميع يقبّل الجميع، فتقف حائرا فالأخ يقبل زوجة أخيه، والأخت تقبل ابن خالتها، وكل ذلك يتم تحت شعار "الأخوة"، والأخوة بريئة من ذلك، فـ"الحمو الموت".
إن ما عرضنا له توا هو هامش صغير على دفتر أحوال زنا المحارم في مجتمعاتنا، لكن مساحته في الواقع وآثاره قد تكون أكثر تدميرا؛ لأن الأمر يتجاوز زنا المحارم إلى الغفلة والجهل، وتجاوز الحد الذي وضعه لنا رسولنا الكريم، فتكون النتيجة الحتمية هي موت مجتمعاتنا وتعرضها للهلاك، وتقطع لصلات الرحم، واختلاط للأنساب.
وأخيرا أود أن أنوه إلى أن ما جعل مثل هذه الملفات تفتح الآن هو أن الإعلام بما ينشره من خلال الأغنيات العارية والأفلام القبيحة، خلق حالة استنفار للشهوات والرغبات، جعل جريمة مثل زنا المحارم كانت قليلة الحدوث، ويتم الحديث عنها على استحياء إلى قضية حية لا يخلو الحديث العلني عنها من قبل المعنيين بالأسرة والمجتمع في بلادنا.
كما أؤكد أن فتح هذه الملفات ليس راجعا لنظرة متشائمة، أو دعوة للخوف أو الانغلاق، بقدر ما هي دعوة للاعتدال والوسطية التي هي منهاجنا الدائم، فعندما نلقي الضوء على أزمة أو ظاهرة، فليس من أجل أن نسود الدنيا والحياة ولكن من أجل أن ننبه الغافلين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق